كنوز| مقال نجيب الريحاني :  «أضربها «صرمة» !  

نجيب الريحاني
نجيب الريحاني

كتب نجيب الريحانى مقال لمجلة «اللطائف المصورة» 2 سبتمبر 1944 قبل انتهاء الحرب العالمية الثانية بعام، وسخر الريحانى فى المقال من أساتذة الشائعات وجنرالات المقاهى الذين يشبههم الآن بـ «جنرالات الفضائيات».. وما أشبه الأمس باليوم قياساً بحرب روسيا المشتعلة فى أوكرنيا التى تساندها الولايات المتحدة وأوروبا.

وتنشر بوابة أخبار اليوم نص المقال والذى جاء كالتالي :

لكى تسرى عن نفسك من هموم الحرب المستعرة الآن.. داوها بالتى كانت هى الداء. 

إنسِ الحرب، اخلع نعليك وأهوِ بهما على أم ناصية الحرب.. يعنى بالعربى «اضربها صرمة تعيش مرتاح»، فليس أفعل فى النفس أكثر من التهويل !

وهناك أناس لا يحلو لهم إلا تجسيم المصائب وتكبيرها فى نظرك، فهم يصورون لك الصواعق من علامات الساعة، والحمم تقذفها السماء، والويلات تهطل منك عن كثبٍ، فإذا فحصت ومحصت الحقائق وحللت هذه الأقوال، تبخرت أقوال أولئك المتشائمين، وذهبت أدراجها مع الرياح. 

نصيحتى ألا تركن إلى أقوال أولئك القوم وألا تناقشهم الحساب، وأن تفر منهم فرار السليم من الأجرب، لأنك إذا لم تفعل ذلك فإنهم يحملونك هموم الدنيا والآخرة، ويقلبون بياض النهار سوادا، ويدخلون اليأس إلى قلبك.. كده بدون مناسبة.. حتى لكأنهم موكلون من قبل الشياطين لسد نفس عباد الله وقريفة خلقه. 

وعليك بالابتعاد ما أمكن عن مجالسة فلاسفة السياسة الذين لا يفهمون فيها أكثر مما أفهمه أنا من لغة «أكلوا البراغيث».. ولا يعرفون من شأنها أكثر مما تعرفه أنت من رطانة عمك «عثمان» البواب لما يتحمق فى مناقشاته مع مواطنيه الأعزاء!

أقول ابتعد عن أولئك السادة السياسيين الذين يجهدون أنفسهم لإقناعك بأنهم واقفون على حقائق الأمور ومصادرها، وأن القواد لا يضعون خطة من الخطط الحربية، ولا يرسمون فكرة على القرطاس إلا كان أصحابنا قد عرفوها.. كده بقدرة قادر!!

وكم سمعنا من أمثال أولئك القوم أن ألمانيا فتحت برلين، وأن روما هزمت إيطاليا شر هزيمة، وأن الأسطول الأمريكى أنزل خسارة فادحة بأسطول يوغوسلافيا فى بحر قزوين، وأن فنلندا سوف تعلن الحرب على أيرلندا إذا لم تسحب جيوشها وراء الحدود عشرين ميلا، وأن....، وأن....، من أمثال هذه التخاريف التى يلقون بها على المصاطب.. والمقاهى فيسمعها السذج وتنتقل فى أفواههم كالببغاء - من مجلس إلى مجلس - وفى كل مرة يضاف إليها ما تيسر من المبالغات والسخافات حتى تتجسم فإذا هى بعد يوم أو بعد ساعة إشاعة ملء الأسماع، ثم ترتفع إلى درجة حقيقة واقعة ترتجف منها القلوب وتصطك لها الأسنان.. والعياذ بالله !! 

فلا تفكر فى الحرب، ولا تشترك فى مناقشات عنها، وإذا أجبرتك الظروف على الوجود فى مجلس يتحدث فيه الناس عن الحرب، فاسمع من هنا واترك من هنا، أنت لن تربط شفاه الخلق.. ويا سيدى سيبك.

وإذا داهمتك السياسة، فتحرك وابتغِ لنفسك مكانا فى حلقة أخرى تسمع فيها دردشة عن أبى زيد الهلالى وما جرى له فى حرب الباسوس، والزناتى خليفة وكيف كان يضرب الأرض تطرح بطيخ، ودياب بن غانم الذى كانت الدنيا تهتز حين يبرم شنباته !! 
واجتهد - حتى فى أشد الساعات خطورة - أن تكون مرحا، وأن تطرد الوساوس من مخيلتك فلا تجعل لها نصيبا من تفكيرك !